بــنـــت جـــبـــيـــل تســلـك الــطـــريــــق نــحــــو شـك

من المنتظر أن تتبلور في الأسابيع القليلة المقبلة الصيغة المعمارية التي سترسو عليها مدينة بنت جبيل، لا سيما الاحياء التسعة القديمة منها، بعدما حولها العدوان الاسرائيلي في تموز الى أطلال.
وقد وافقت دولة قطر بشكل مبدئي على تمويل إعادة بناء المنازل المدمرة في تلك الأحياء ضمن مشروع خاص لاعمارها، بدلا من دفع تعويضات مباشرة لأصحابها. يبلغ عدد المنازل ما يقارب الثمانمئة جرى تحديدها ضمن مساحة تقارب الخمسة عشر دونما، وتشمل الى الحارات القديمة السوق التجارية والساحة.

من ناحيتها، تعمل البلدية على إعداد لائحة تضم أسماء المالكين الراغبين بقبض تعويضاتهم نقدا لبناء منازلهم خارج حدود المدينة القديمة، ومن المتوقع أن تكون اللائحة جاهزة خلال الاسبوعين المقبلين.
يقول رئيس البلدية علي بزي أن البلدية تركت للأهالي حرية الاختيار بين حصولهم على وحدات سكنية جاهزة ضمن المدينة القديمة أو تقاضيهم التعويض المخصص لهم، شرط استخدامه في بناء وحدة بديلة خارج المدينة. وتوقع أن تصل نسبة الذين سينتقلون الى خارج المدينة إلى ما يقارب العشرة بالمئة من مجموع المالكين، مضيفا ان البلدية لا تملك حتى الآن تصورا مفصلا يتعلق بمشروع الاعمار، لكنها وضعت ثوابت عامة كي لا تصبح هناك غربة بين الاجيال بشأن الهوية المعمارية للمدينة. وأشار الى أن المعالم الحجرية التي بقيت سليمة سيعاد استعمالها في بناء العديد من الابنية كي لا تتحول بنت جبيل الى «مستعمرة من دون حياة». كما جرى تحديد أكثر من مئة منزل متضرر سيجري ترميمها بالشكل الذي كانت عليه عليه، إما بالنظر الى حالتها القابلة لاعادة الترميم، وإما بالنظر الى ما تشكله تلك المنازل في الذاكرة البنت جبيلية.
يوضح مدير المكتب الاستشاري القطري في لبنان كريستيان قمير، أنه سيتم التركيز في المشروع على الجوانب التراثية، لافتا إلى أن السوق التجارية ستكون امتدادا لوسط البلدة. وأعلن أن مدير المشروع القطري لاعمار الجنوب خالد الهتمي حمل نموذج المشروع الى قطر لاخذ موافقة الجهات المختصة هناك، على أن يتم عرضه بعد ذلك على الجهات المختصة في بنت جبيل وبينها البلدية ونقابة التجار، مبديا الاستعداد الكامل لأخذ جميع الملاحظات بعين الاعتبار.
وكان الهتمي قد أوضح في حديث سابق أنه توجد ثلاث دراسات لاعمار المدينة القديمة سوف يتم اختيار واحدة منها.
أما المدير المالي للمشروع القطري محمد آل خليفة، فقال إنه جرى اختيار مكان موقت للسوق التجارية ريثما يتم بناء الأصلية، نظرا لأهميتها الحيوية بالنسبة للمدينة. وجرى بالتعاون مع البلدية تأمين الأرض المناسبة وإقامة أكثر من مئتين وخمسين محلا جاهزا مع الخدمات والبنية التحتية الملحقة بها، وقاربت كلفتها مليونين ومئتي ألف دولار، وتوقع انتهاء العمل بها خلال شهر، تسلم بعدها المحلات الى التجار.
وسوف يتم بناء ما يقارب المئة وسبعين محلا تجاريا في السوق بأحجام مختلفة، بينما تعود ملكية أكثر من ثلثي المحلات للبلدية (120 محلا) فيما البقية (50 محلا) أملاك خاصة. وأكد بزي أن البلدية ستعيد تأجير المحلات بالقيمة التأجيرية نفسها التي كانت عليها قبل تدميرها. أما المنازل التي كانت مبنية في الحارات القديمة فجميعها أملاك خاصة تتراوح مساحتـها بين عشـرين مترا مربعا وأربعمئة متر مربع.
تُعتبر نقابة اصحاب المؤسسات التجارية في بنت جبيل الجهة المعنية بشكل رئيسي في عملية بناء السوق. وفي هذا الاطار يقول رئيس النقابة طارق بزي ان النقابة اعدت منذ اكثر من ثلاث سنوات نموذجا لتطوير السوق، نظرا للحاجة التي برزت لذلك بعد التحرير، وازدياد عدد المقيمين في المدينة وما تبع ذلك من زيادة في الحركة التجارية، إلا أن معيقات كثيرة حالت دون تنفيذ المشرع، ابرزها عدم وجود تمويل له. يضيف أن النقابة بانتظار عرض المشروع الجديد عليها، لكنه دعا الى المحافظة على الشكل التراثي للمدينة وتأمين مواقف للسيارات، وهي المشكلة الأبرز بالنسبة للمتسوقين والتجار. كما اشار الى امكانية انشاء تجمعات تجارية لأصحاب المصالح المتشابهة، كتجمع للجزارين وبائعي الخضار ومحلات الألبسة وغيرها.
كانــت بنت جبيل وسوقها، كانت اصــوات البائعين و«مفاصلات النســوة» وكــزدورة الشباب، كانــت الحــارات والعين الصغيرة والساحة. تغــيرت بنت جبيل وتغيرت ســوقها، فقدت ابناءها الشهداء وتفتقد المهاجرين، على أمل ألا تفقد تاريخها وتراثها.


السفير

ان شاء الله بنت جبيل بتنافس الداون تاون مستقبلا