نص القرآن الكريم على الإمام المهدي
قال تعالى : ((كتاب أحكمت آياته من لدن حكيم خبير))
وقال تعالى : ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)).
ذلك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فيه تبيان لكل شيء. الذي هو آخر الكتب السماوية، كما أن الإسلام هو خاتم الأديان، وقد صرح القرآن الكريم على لسان اعدائه بان القرآن لا يغادر كبيرة وصغيرة .
قال تعالى : ((مالِ هذا القرآن لا يغادر صغيرة أو كبيرة إلاّ احصاها)).
فليس من المعقول أن تذكر حوادث ووقائع من قبيل يأجوج ومأجوج ومصيرهما في المستقبل أو الاخبار بإمكانية غزو الفضاء بقوله تعالى ((يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ)).
وأخبار الذرة ومادونها والمجرّة وما فوقها ولا يكون هناك أخبار عن الإمام المهدي وحكومته ذلك الحدث الجلل، الذي يعتبر ضمن المقاييس الطبيعية حادثاً عظيماً لا يمكن السكوت عنه وتغاضيه؟!
كلاّ، فهناك الكثير من الآيات القرآنية الدّالة على الإمام المهدي (عليه السلام) وظهوره بتصريح من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم القرآن الناطق، فقد كان نزول القرآن في بيوتهم عليهم السلام وأهل البيت أدرى بالذي فيه.
الآيات 2 - 3 من سورة البقرة
((ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ))
فُسِّر معنى الإيمان بالغيب بأنه الإيمان بالامام الحجّة (عليه السلام) وغيبته كما صرح به أئمة أهل البيت عليهم السلام في الأحاديث المنقولة عنهم منها: مارواه الشيخ الصدوق باسناده عن يحى بن أبي القاسم، قال: سألت الإمام الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)) فقال (عليه السلام): المتقون شيعة عليّ (عليه السلام) ، والغيب هو الحجة الغائب، وشاهد ذلك قوله تعالى ((وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)).
وروى الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة عن أبي عبدالله (ع) قال : مَن أقرّ بقيام القائم (ع) انه حق.
إذن، فالآية المباركة حددت المتقين بصفات منها: الايمان بالكتاب الكريم والايمان بالغيب، وهو الايمان بالامام الحجة (عليه السلام) ووجوده وغيبته صنوان لمشرع واحد، لا يفترقان، وإنّ الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو أحد الأئمة الاثني عشر، فلابد للذي يؤمن بالأئمة الأثني عشر أن يؤمن بالامام الغائب (عليه السلام).
فالفصل بينهما لا يصح ولا يصحح العمل كالصلاة الفاقدة لأحد اجزائها أو شرائطها أو أركانها فانها لا تصح ولا تقبل من العبد.
الآية الخامسة من سورة القصص
((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ))
فالروايات الشريفة دلّت على أن المقصود من المستضعفين هو آل محمد (عليهم السلام) فقد استضعفوهم الناس وقتلوهم وشردوهم وصنعوا بهم ما صنعوا.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال :
(أنتم المستضعفون بعدي).
وجاء عن الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:
(المستضعفون في الأرض المذكورون في الكتاب، الذين يجعلهم الله أئمة: نحن أهل البيت، يبعث الله مهديَّهم فيعزهم ويذل عدوهم)
وقال (عليه السلام) أيضا:
لتعطفّن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا قوله تعالى: ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)).
ومعنى كلامه (عليه السلام) ان الدنيا تقبل على أهل البيت (عليهم السلام) بعد الجفاء الطويل والمكاره الكثيرة، والمقصود، قيام حكومة أهل البيت عليهم السلام وانتصاراتهم على أعدائهم، وتذلل جميع الصعوبات التي وقفت حجر عثرة في طريق نهضتهم المقدسة وتخضع بعد تمردها وتنقاد بعد عصيانها. وهذا هو مضمون الآية الشريفة التي تحدث عنها الإمام (عليه السلام) في مطلع خطبته، فالله سبحانه وتعالى قد تعلقت إرادته بأن يتفضل على أهل البيت (عليهم السلام) على تلك الذرية الطاهرة المظلومية وأشياعهم وأتباعهم المضطهدين ــ على مر التاريخ ــ المحرومين من أبسط سبل العيش وحقوق البشر، أن يتفضل عليهم بحكومة تشمل الكرة الأرضية ومن عليها وما عليها، بلا مزاحم أو منافس، وتكون لهم السلطة التامة والقدرة الكاملة.
ويمكن استفادة هذا من نفس ظاهر الآية الشريفة ومن قوله تعالى ((ونريد أن نمن)) بلفظ المستقبل، فان نزول الآية كان بعد آلاف السنين من عصر موسى (عليه السلام) وفرعون، وكان من الممكن ان يقول سبحانه وتعالى كما قال في عدة أمكنة باللفظ الماضي (مننّا على الذين استضعفوا).
من قبيل ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً)).
أو ((وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ)).
أو ((كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ)).
فجاءت هذه الآيات بلفظ الماضي، أما في الآية الشريفة ــ مورد البحث ــ جاءت بلفظ المستقبل.
ولا يقال بان فرعون وهامان وجنودهما قد هلكوا قبل نزول الآية بآلاف السنين، فكيف يمكن تأويل الآية بالمستقبل؟ لأنه قد صار اسم (فرعون) رمزاً لكل سلطان متجبر جائر يتجاوز في ظلمه، فلكل عصر فرعون.
وقد روي عن الإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق (عليهما السلام) في تأويل هذه الآية أنّ المراد من (فرعون وهامان) هما رجلان من جبابرة قريش يحييهما الله تعالى عند ظهور الإمام المهدي (عج) ــ في آخر الزمان ــ فينتقم منهما بما أسلفا .
وروى البحراني في تفسيره البرهان عن العالم الحنفي الشيباني في كشف البيان ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله أنهما قالا : إنّ هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان ويبيد الجبابرة والفراعنة