عدد الرسائل : 1174 العمر : 111 Localisation : الحدود اللبنانية الفلسطينية تاريخ التسجيل : 07/04/2007
موضوع: قصة واقعية... الجمعة مايو 04, 2007 3:46 pm
بيروت ـ اسماعيل فيه قصة حقيقية بامتياز، ليست خيالية اطلاقا، إنها واقع يعرفه أغلب الناس الذين يعرفون صاحبة هذه القصة. قصة حياة فتاة مظلومة سجنت في بلاد بعيدة بتهمة مفبركة ضدها. صاحبة هذه القصة وبطلتها فتاة لبنانية اسمها الأول رندى، ومن يتوغل في تفاصيل هذه القصة وبطلتها يكشف كم ان الحياة صعبة، وفيها كل المفاجآت السيئة، كما المفاجآت السارة. فماذا في وقائع هذه القصة الحقيقية؟ في بداية 1990 سافرت رندى إلى البرازيل لزيارة عمها، وبعد وصولها الى تلك البلاد البعيدة لم تستطع الخروج من المطار إلا إلى الاعتقال الاحترازي، إذ تم توقيفها لدى الشرطة بتهمة المتاجرة بالمخدرات، ووجدت نفسها بعد فترة التحقيق في السجن وما لبث الأمر أن حكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات.
أمضت رندى السنوات الخمس في السجنأمضت رندى السنوات الخمس في السجن ولم تستطع اثبات براءتها (وهي تؤكد أنها بريئة) عاشت العذاب النفسي في السجن، خصوصا أنها تردد دائما بأنها مظلومة وكل التهم التي وجهت إليها ملفقة وتقول: "كنت ضحية عصابة كبيرة تتاجر بالمخدرات". خمس سنوات أمضتها رندى في سجن بلاد لا تعرفها، ورغم أنها تعرفت في السجن على بعض ملامح تلك البلاد فانها تقول: "كأني لم أزر تلك البلاد، فقد أقمت في السجن، وتاليا لم أر ولم أشعر أنني في تلك البلاد الغريبة عني". وبعد أن عاشت المأساة عادت رندى من السجن البعيد الى بلادها حزينة مكسورة محطمة النفس، تشعر بالظلم ولا تعرف كيف ستواصل حياتها وكيف تبعد شبح التهمة (الملفقة) التي سجنت بسببها! ثلاث سنوات أمضتها رندى في بلادها بعد عودتها من السجن وهي تائهة منزوية، لكنها لم تقنط من الامل ومن رحمة الله ـ كما تقول ـ فقد تحولت من فتاة غير مبالية بدينها إلى فتاة مؤمنة تمارس أصول الدين وتقول رندى: "بعد الظلم الذي عشته فتح الله لي الحياة وأدخلني في نعمة الإيمان وتزوجت من رجل أحببته وأحبني وأنجبت منه طفلا، وأنا مواظبة من الآن وصاعدا على زيارة العتبات المقدسة في كل عام". كيف تروي رندى قصتها؟ لماذا قررت السفر الى البرازيل، وكم كان عمرك يومها؟ سافرت وأنا في عمر 25 سنة لزيارة أحد أعمامي الذي هاجر قبل ولادتي، كان لدي هاجس السفر للتعرف عليه وعلى عائلته ولاكتشاف البلاد التي يعيشون فيها. ما الذي حصل معك أثناء سفرك؟ ذهبت الى المطار في بيروت وصعدت الى الطائرة بشكل طبيعي، وبعدما وصلنا الى البرازيل، مطار ساوباولو، فوجئت برجال الأمن هناك، اقترب أحدهم مني، أمسك بيدي وأخذني الى غرفة صغيرة، وفي هذه الغرفة كانت اللحظات الاولى لرحلة الظلم التي عشتها، فقد وجهت إلي اتهامات تتمحور حول التجارة بالمخدرات، في هذه اللحظة أغمي علي ثم وجدت نفسي في مكان آخر، حيث وجهت التهمة إلي رسميا وأحالوني الى المحاكمة، وحكم علي بالسجن لمدة عشر سنوات خفضت الى خمس. بهذه السرعة تمت محاكمتك؟ اكثر مما كنت أتصور. هل أنت بريئة من التهمة؟ بالتأكيد، كل الذي حصل هو عملية تلفيق لي. لماذا لفقت التهمة لك؟ لا أعرف، ولكن بعد مرور الزمن اتضحت الصورة، فقد كنت ضحية عصابة أدخلت الى شنطتي المخدرات. سنوات السجن هل يمكن ان تحدثينا عن سنوات سجنك؟ إنها سنوات الموت البطيء والعذاب القاتل. كيف كان اليوم الأول في السجن؟ اليوم الأول كان أشبه بالجحيم، فأنا بريئة ومظلومة، وفوق هذا كله أدخلوني الى سجن يعج بالعاهرات. كيف كانت حالتك النفسية؟ كان الاحباط هو الجاثم على كل كياني، كان اللون الأصفر يخيم على قلبي. هل كنت الفتاة العربية الوحيدة في السجن؟ لم أتعرف على أي فتاة عربية في السجن. كيف كان شعورك في تلك اللحظات؟ كنت أشعر أنني سأموت قهرا. هل استمر كثيرا هذا الشعور؟ أكثر من سنة. وبعد ذلك؟ بدأت بالتقرب من الله من خلال الصلاة والعبادة وهذا ما جعلني ارتاح واشعر بشيء من الطمأنينة. بات الإيمان والعبادة هما الأساس في حياتي، وصرت أفكر بالأيام القادمة من حياتي كيف ستكون منذورة لله. قهر مضاعف ألم تفكري وأنت في السجن أنك قد تخسرين المستقبل؟ طبعا كنت أفكر بذلك، ووصلت الى قناعة أن أحدا لن يصدق أنني بريئة، حتى لو خرجت من السجن، وثانيا، كنت أعيش القهر مضاعفا، قهر الظلم نتيجة السجن، وقهر ما سوف ألاقيه من الآخرين حين أخرج. وهذا الشعور هو الذي دفعني لمحاولة الانتحار في السنوات الأولى من السجن، أشكر الله أنني استطعت تجاوز هذه المحنة. كيف تصفين السنة الخامسة والأخيرة في السجن؟ رغم أنها تحمل الايام الاخيرة للسجن فانها كانت طويلة وكدت لا أصدق أنها ستنتهي، كانت أصعب من السنوات الأربع التي مضت، لأنني كنت أعدها لحظة بلحظة. انتهت السنة الخامسة وخرجت من السجن، كيف تصفين تلك اللحظة؟ الحرية لا يمكن وصفها، إنها تشبه إعادة الروح للجسد، منذ أكثر من خمس سنوات وأنا خارج السجن وأعيش الحرية ولكن حتى هذه اللحظة لم استطع التعبير أو ترجمة كلمة تفي بالمعنى الكامن في أعماقي. ما يمكنني قوله، إنني حين خرجت من السجن شعرت بأنني تحررت لكنني ظلمت ولا أستحق هذا الظلم، ومجرد هذا الشعور يشعرني بالأسى ويخفف من الفرح الذي يجب أن يولد اثناء الحرية ـ الخروج من السجن والعذاب. يبقى الذي عشته وذقته في السجن أقوى من كل فعل، ولا أعتقد أن هذا الشعور القوي سيغيب عن حياتي القادمة. بعد العودة بعدما عدت إلى بلادك ماذا فعلت؟ حاولت العيش بهدوء والاستراحة من العذاب. هل تقبلك مجتمعك بعد هذه العودة؟ ضمن حدود، ولكن بعد مرور الوقت واتضاح الصورة الحقيقية للواقع الذي ظلمني، باتت حياتي أفضل. هل تزوجت؟ نعم تزوجت، ولكن بعد مخاض نفسي عسير. كيف؟ بعدما خرجت من السجن كنت على قناعة راسخة بأنني لن أتزوج وسأتفرغ لعمل الخير والايمان. لماذا هذا القرار؟ بعد الظلم والعذاب الذي انغرس عميقا في حياتي اقتنعت بأنني غير قادرة على مواصلة الحياة الطبيعية. وكنت أقول في نفسي من يتزوجني حين يعرف أنني سجنت بتهمة من هذا القبيل؟ نفهم أنك في السجن كنت يائسة، أما في الحياة اليوم، لماذا اليأس؟ أنا إنسانة هزمت وتحطمت نفسيا، ومن الصعوبة أن تلتئم جراحي، وكل ذلك عائد الى قوة الصدمة الظالمة التي طالت حياتي. قلت أنك تزوجت بعد مخاض عسير، كيف تم ذلك؟ قلت لك إن الله أعطاني الأمل ورغم قوة اليأس في داخلي فإن الله أعطاني قوة الحياة وجعلني أخرج من هذا اليأس المدمر وأتزوج. زواج وأمومة كيف تزوجت؟ بكل بساطة أحببت رجلا من عمري وهو أحبني وتزوجنا. وكيف وقع هذا الحب بعد اليأس؟ قلت لك ان الله معي. هل يعرف زوجك قصتك؟ من أولها إلى آخرها، وبات يشعر معي بقوة الظلم الذي عشته. كيف تصفين حياتك الزوجية؟ رائعة. هل أنجبت؟ أنجبت طفلا. كيف تعيشين اليوم؟ أعيش مع عائلتي بهدوء وسكينة وأمارس تعاليم الله بكل حب، وأذهب كل سنة الى ديار الله المقدسة، أشكره على نعمه. لنعد الى الماضي قليلا، عندما كنت في السجن هل كنت تتوقين الى العودة الى الحياة وتعيشين بهدوء وتتزوجين وتؤسسين عائلة؟ بصراحة لم أكن أتوقع ذلك أبدا، وسبق وقلت لك كنت يائسة وأفكر بالانتحار، فكيف سأرى ما سوف يحصل معي. بعد هذه التجربة التي بدأت بالظلم والسجن والعذاب وانتهت بنهاية سعيدة، ما الحكمة التي استخلصتها رندى؟ أولا أشكر الله على نعمه، إن الله ارحم الراحمين وهو يعرف ما يجيش في الصدور، فكيف يترك عبده المظلوم، لقد أنعم الله علي بالأمل بعد كل الذين ذقته من ويلات، وأقول لكل مظلوم حقيقي ان الله لا يترك المظلوم يموت مظلوما، فالله وهبنا الحياة لنعيشها لا لنقتلها. أخيرا، هل يمكننا القول إن المرأة يمكن أن تستعيد حياتها بعد تعرضها للسجن، هل يمكن أن تستمر كإنسانة طبيعية؟ بالتأكيد، مهما عصفت الايام وأطبقت على المرأة فالحياة مفتوحة على الأمل ويمكن للمرأة أن تحيا من جديد حتى لو عاشت السجن، وتجربتي هي الشهادة التي لا تحتاج الى جدال.