الكورنيش البحري يستقطب المشاريع الاستثمارية
من شارع محلي الى شارع «أممي» هو حال الكورنيش الجنوبي لمدينة صور، الذي يتجه يوما بعد يوم الى التخصصية السياحية على انواعها، من استراحة صور السياحية التي بنتها الدولة في الستينات، الى تخوم الجامعة الاسلامية،وعلى مسافة تتجاوز الكيلو متر بقليل، نبتت كالفطر مشاريع سياحية هي عبارة عن فنادق ومطاعم ومقاه تماهت مع جمالية الشاطئ الذي أكسب هذه المنطقة في سنوات معدودة ثقة المستشمرين، حيث بلغ سعر المتر الواحد مما تبقى من عقارات 1500 دولار اميركي.
هذا الواقع الجديد للكورنيش الجنوبي المعروف بجادة الرئيس نبيه بري أخذ دفعا كبيرا مع قدوم آلاف جنود الامم المتحدة من قوات «اليونيفيل»، وغالبيتهم من دول اوروبية واسكندنافية، الذين أصبحت قبلتهم مدينة صور في الوقت الحالي، سواء لناحية إقامة عائلاتهم او ارتياد المطاعم وقضاء سهرات آخر الاسبوع في مطاعم المدينة المنتشرة في ارجائها كافة، وبالاخص مطاعم الكورنيش الجنوبي التي تعدى عددها خمس عشرة مؤسسة سياحية مرشحة للتصاعد مع بداية الموسم السياحي.
في ايام عطلة الاسبوع تبلغ الحياة ذروتها من اول الشارع حتى نهايته ومتفرعاته المفتوحة على فرح الناس. يتصل الليل بالنهار على وقع الموسيقى والاغاني والانخاب، وتساهم انوار المصابيح المتداخلة مع اشجار النخيل ونسمات البحر في دفء المكان، الذي يتحول منذ ساعات المساء الى مهرجان متنقل يخرقه الباعة المتجولون والنراجيل التي يفترش اصحابها الزوايا التي تعجز السيارات عن اجتياحها. «بالطبع، الصورة والمشهد غير عاديين. وما نطمح اليه أكثر بكثير، لأن كلفة الاستثمار باتت عالية، وما نخشاه عدم بقاء الامور على هذا المنوال من الحركة والنشاط»، يكاد أصحاب المؤسسات السياحية في الشارع يجمعون على حقيقة واحدة، مفادها الاعتراف بالتحسن الكبير الذي طرأ على اعمالهم، وبلغ أكثر من 30 في المئة، وهو ناتج عن حركة ضباط وجنود القوة الدولية المعززة وسائر العاملين في المؤسسات الدولية الذين حلوا في المنطقة بعد وقف عدوان تموز، إضافة الى اتساع «شهرة» عدد من المطاعم التي يقصدونها من بيروت وباقي المناطق اللبنانية، والى هذه الامور مجتمعة يصوب هؤلاء على المغتربين اللبنانيين الذين يشكل مجيئهم وفرة عالية من النشاط الاقتصادي والسياحي.
تماشياً مع طبيعة الزبائن، أدخل حسان اللحاف، صاحب مطعم اسكندر، سهرات موسيقى الجاز، وأطباق غربية وشرقية على انواعها. ويقول اللحاف الذي لم يقفل مطعمه في عدوان تموز «ان العمل أكثر من جيد في هذه الايام، وأملنا ان تبقى الامور كذلك، لان كلفة الاستثمار مرتفعة في هذا الشارع على وجه التحديد، ويشهد هجمة من المستثمرين من المنطقة وخارجها». ويضيف ان تسعين في المئة من رواد المطعم خلال ايام الاسبوع هم من الاجانب العاملين في «اليونفيل»، أما في نهاية الاسبوع فيشكل ابناء المنطقة اكثر من سبعين في المئة من الزبائن، ويشير اللحاف ان الاجانب مرتاحون كثيرا في صور ولا يشعرون بأي قلق، عكس ما كان يصور لهم قبل مجيئهم الى الجنوب، حتى ان احدهم، وهو هولندي الجنسية انهى خدمته العسكرية، يفكر بفتح مؤسسة في المدينة.
ويضيف اللحاف: «قبل عدوان تموز كان حالنا صعباً وكنت مقبلا على الاقفال»، آملا من الدولة، وخاصة وزارة السياحة، تشجيع السياح على زيارة صور التي تشكل عنوانا للانفتاح، وفيها كل مواصفات السياحية والطبيعية. كما طالب نقابة اصحاب المطاعم والفنادق في لبنان الاهتمام بالمؤسسات السياحية خارج بيروت.
من اهم مطالب زهير ارناؤوط صاحب مطعم تيروس ان تسمح بلدية صور باستثمار قسم من الشاطئ المقابل للمطعم، ويضيف «قدمنا طلبا مع مشروع يحافظ على شكل وجمالية الشاطئ وكان الرد في البداية الموافقة، ولاحقا عطل المشروع الذي يحتاج الى موافقة وزارة النقل على حد ما قيل لنا». وقال ارناؤوط ان الحركة في المطعم تحسنت ما يزيد على الثلاثين في المئة، وذلك على خلفية قدوم جنود الامم المتحدة، مؤكدا بأن التعاطي مع هؤلاء الجنود لا يسوده اي استغلال.
ويطالب ارناؤوط البلدية ان تحول هذا الشارع، الذي اصبح قبلة اعداد كبيرة من الناس، الى شارع للمشاة فقط وفي اوقات وساعات محددة من كل يوم من اجل وقف صخب السيارات.
من التخصصية عند مطعم «شواطينا»، التابع لمؤسسات الامام الصدر، امتناعه عن تقديم المشروبات الروحية. يقول مديره ابراهيم شرف الدين ان الشغل في الوقت الحالي ممتاز، بحيث يحتاج الزبون الى حجز مسبق، وخاصة ليل السبت ونهار الاحد، اللذين يشهدان حركة غير عادية في غالبية مطاعم الشارع وباقي مطاعم المدينة. ويضيف ان صور لم تشهد طفرة مثل هذه الطفرة الحاصلة اليوم.
بدوره، يسجل مدير عام استراحة صور السياحية عماد قانصوه علامات التحسن الكبير في الحركة السياحية في مدينة صور، ويقول ان اهم عناصر الجذب السياحي المحلي والاجنبي تعود الى الاستقرار والهدوء الامني الذي تنعم به المنطقة، إضافة الى مؤهلات المدينة ومؤسساتها السياحية الراقية، ويضيف «ان موسم الشتاء الماضي كان حافلا بالنشاط ولم نشهد مثيلا له في السنوات القليلة الماضية... اعتمادنا الاساسي في استراحة صور على اللبنانيين الذين يأتون من كافة المناطق بما فيها بيروت وطرابلس»، مشيرا الى اهمية الاشغال المستمرة التي تنفذها البلدية، والمتمثلة بتوسيع الساحات والارصفة واعمال التشجير والنظافة.
مستثمر فندق ومطعم «كوين اليسا» حسن مغنيه الذي نقل اعماله من بيروت الى صور، قال: «عندما استثمرت الفندق الذي تنتهي عملية تأهيله الشهر القادم، لم تكن «اليونفيل» المعززة قد جاءت الى المنطقة، ولكن مجيء هذه القوات سيكون من الرهانات على انتعاش الوضع السياحي في مدينة صور التي تجمع كل العناصر السياحية، ابتداء من شاطئها الى آثارها، وصولا الى تحسينات البنى التحتية.
من جهته، يعد رئيس بلدية صور عبد المحسن الحسيني بموسم سياحي حافل، ويقول «اصبح لدينا حتى الآن كل المؤهلات التي تجذب السياح من داخل وخارج لبنان، وعندنا فنادق ومطاعم ومقاه وشاطئ وآثار قلّ نظيرها في لبنان والمنطقة».
ويضيف الحسيني ان لدى البلدية تصورات وأعمال عديدة في هذا الموسم، ومنها إقامة مهرجانات فنية في بعض الشوارع والساحات، إضافة الى افتتاح الموسم البحري على شاطئ صور، الذي يعمل فيه اكثر من خمسين مستثمرا من خلال «الخيم البحرية»، مستبعدا فكرة تحويل شارع الكورنيش البحري الى شارع للمشاة كونه متنفساً مرورياً اساسياً.
السـفير