اللهم صلي على محمد وال محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تقول الرواية : صلّى أمير المؤمنين (عليه السّلام) صلاة الظهر، وأقبل يريد المنزل إذا استقبلته الجواري (باكيات) حزينات فقال لهنَّ: ما الخبر؟ وما لي أراكنَّ متغيرات الوجوه والصور؟ فقلن: يا أمير المؤمنين، أدرك ابنة عمك الزهراء (عليها السّلام) وما نظنّك تدركها؟ فأقبل أمير المؤمنين (عليه السّلام) مسرعا حتى دخل عليها وإذا بها ملقاة على فراشها وهو من قباطي مصر وهي تقبض يميناً وتمد شمالاً فألقى الرداء عن عاتقه والعمامة عن رأسه وحلً أزراره وأقبل حتى أخذ رأسها وتركه في حجره وناداها: يا زهراء، فلم تكلمه فناداها: يا بنت محمّد المصطفى، فلم تكلمه فناداها: يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه وبذلها على الفقراء. فلم تكلمه فناداها: يا ابنة من صلّى بالملائكة في السماء مثنى مثنى فلم تكلمه. فناداها: يا فاطمة كلميني فأنا ابن عمّك عليّ بن أبي طالب قال ففتحت عينيها في وجهه ونظرت إليه وبكت وبكى وقال: ما الذي تجدينه فأنا ابن عمك عليّ بن أبي طالب فقالت يا ابن العم إنّي أجد الموت الذي لا بد منه ولا محيص عنه وأنا أعلم أنّك بعدي لا تصبر على قلة التزويج فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوماً وليلة واجعل لأولادي يوماً وليلة يا أبا الحسن، ولا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فإنّهما بالأمس فقدا جدَّهما واليوم يفقدان أمهما فالويل لأمة تقتلهما وتبغضهما ثم أنشأت تقول:
أبكني إن بكيت يا خير هادي وأسبل الدمع فهو يوم الفراق
يا قرين البتول أوصيك بالنسل فقد أصبحا حليف اشتياق
أبكني وأبك لليتامى ولا تنس قتيل العدي بطف العراق
فارقوا فأصبحوا يتامى حيارى يحلف الله فهو يوم الفراق
قالت: فقال لها عليّ (عليه السّلام): من أين لك يا بنت رسول الله، هذا الخبر والوحي قد انقطع عنا فقالت: يا أبا الحسن، رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في قصر من الدر الأبيض فلمّا رآني قال: هلمي إليَّ يا بنية، فإنِّي إليك مشتاق فقلت: والله، إنّي لأشدُّ شوقاً منك إلى لقائك. فقال: أنت الليلة عندي وهو الصادق لَمَّا وعد والموفي لمَّا عاهد فإذا أنت قرأت يس فاعلم أني قد قضيت نحبي فغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة وليصل عليّ معك من أهلي الأدنى فالأدنى ومن رزق أجري وادفني ليلاً في قبري بهذا أخبرني حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال عليّ: والله، لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها ولم أكشفه عنها فو الله، لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكفنتها وأدرجتها في أكفانها فلمّا هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أمّ كلثوم، يا زينب، يا سكينة، يا فضِّة، يا حسن، يا حسين، هلمّوا تزودوا من أُمّكم فهذا الفراق واللقاء في الجنَّة فأقبل الحسن والحسين (عليهما السّلام) وهما يناديان واحرة لا تنطفئ أبداً من فقد جدنا محمّد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء يا أم الحسن، يا أم الحسين، إذا لقيت جدّنا محمّد المصطفى فأقرئيه منّا السّلام وقولي له إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): إنّي أشهد الله أنّها قد حنَّت وأنَّت ومدَّت يديها وضمتهما إلى صدرها مليَّاً وإذا بهاتف من السّماء ينادي: يا أبا الحسن، ارفعهما عنها فلقد أبكيا والله، ملائكة السّماوات فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب قال فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء وأنا أنشد
بهذه الأبيات:
فراقك أعظم الأشياء عندي *** وفقدك فاطم أدهى الثكول
سأبكي حسرة وأنوح شجواً *** على خل مضى أسنى سبيل.
ألا يا عين جودي وأسعديني *** فحزني دائم أبكي خليلي
وجيوشا وعرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية، وينقضون عهدي وبيعتي، فلم يكن إلا ما قلت لهم، وأخبرتهم. ثم يقوم الحسين عليه السلام مخضبا بدمه هو وجميع من قتل معه، فإذا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله بكى وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه، وتصرخ فاطمة عليها السلام فتزلزل الأرض ومن عليها، ويقف أمير المؤمنين والحسن عليهما السلام عن يمينه، وفاطمة عن شماله، ويقبل الحسين عليه السلام فيضمه رسول الله رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صدره، ويقول: يا حسين ! فديتك قرت عيناك وعيناي فيك، وعن يمين الحسين حمزة أسد الله في أرضه، وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيار، ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام وهن صارخات وأمه فاطمة تقول " هذا يومكم الذي كنتم توعدون " اليوم " تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " . قال: فبكى الصادق عليه السلام حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: لاقرت عين لا تبكي عند هذا الذكر، قال: وبكى المفضل بكاء طويلا ثم قال: يا مولاي ما في الدموع يا مولاي ؟ فقال: ما لا يحصى إذا كان من محق. ثم قال المفضل: يا مولاي ما تقول في قوله تعالى " وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت " قال: يا مفضل والموؤدة والله محسن، لأنه منا لا غير، فمن قال غير هذا فكذبوه. قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا ؟ قال الصادق عليه السلام: تقوم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول: اللهم أنجز وعدك وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني، وضربني و زعني بكل أولادي، فتبكيها ملائكة السماوات السبع وحملة العرش، وسكان الهواء، ومن في الدنيا، ومن تحت أطباق الثرى، صائحين صارخين إلى الله تعالى، فلا يبقى أحد ممن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة دون من قتل في سبيل الله، فانه لا يذوق الموت وهو كما قال الله عزوجل " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون " .الى اخر الرواية ..
البحار ج 53 ص 23
تقبلوا تحياتي العطرة
بنت جنوب لبنان