وقائع حكاية عطوفة توبة ابنة «عيترون» الجنوبية.. نزفت ثلاثة أيام متواصلة بعد قصف منزلنا ونجوت.. استشهدت أختي وبقيت رجلي معلقة في رجلها.. خمس ساعات من الزحف حتى قطعت عدة أمتار للوصول إلى بئر الماء
دمشق
صحيفة تشرين
تحقيقات
الاربعاء 25 تموز 2007
بعثة تشرين من الجنوب اللبناني
عبر ودروس تعلمناها أثناء لقاءاتنا بأهالي الجنوب اللبناني فالذين ظلوا في بيوتهم طيلة أيام عدوان تموز عددهم كبير ورغم أصوات الرعب القادم من طائرات العدو كانوا يتحدثون ويستذكرون طفولتهم وأيضاً يستنجدون بالأنبياء جميعهم ليمدوهم بالصبر.
هؤلاء البعيدون عن الأضواء ملح الأرض.. اخضرارها الدائم تعرفهم من طيبتهم اللامتناهية وصدقهم وودهم، استقبلونا بابتسامتهم وقلبهم مفتوح لسورية... كان يكفي أن نلفظ كلمة وفد صحفي سوري ليرحبوا بنا ويقصوا علينا حكاية عذاباتهم:
اصغوا جيداً لحكاية الحاجة عطوفة
عطوفة توبة.. التمسك بالحياة..
في بلدة عيترون ظاهرياً كل شيء يوحي بالطمأنينة والفرح كأن الناس هنا اعتادوا على تحمل كل شيء، فالحرب والعدوان الاسرائيلي علمهم معنى أن تبقى بجوار أهلك وأحبتك.
دخلنا الى منزل الحاجة عطوفة توبة برفقة أحد أبناء البلدة.. حديقة البيت كانت في أبهى حالاتها هنا يصير الجمال نقيضاً للموت الذي أرادته «اسرائيل» هدفاً في عدوانها.. ومن أين لنا أن نقنع الغزاة أن تلك المرأة التي لم تنقطع عن سقاية حديقة بيتها هي نموذج عن الانسان الجنوبي.
كيف لكم أن تهزموا هذه المرأة؟ حكايتها وقائع.. لحظات، دقائق وأيام.. لايمكن أن تنسى... تخبرنا قبل كل شيء أن «عيترون» قدمت «38» شهيداً في عدوان تموز خمسة من المقاومين والبقية من المدنيين والغريب أن هذه المرأة مع أهلها لم يتركوا البلدة نهائياً لكن الضريبة دفعت، ففي اليوم السادس للحرب «20 » تموز قصفتهم طائرات العدو.
بعد جريمة القصف ساد العتم في الغرفة حيث كانت تجلس برفقة أختها وعمها وابنة عمها وخالتها.
تكتشف بعد لحظات أن أختها أصيبت ثم استشهدت.. وأنها أصيبت وهي عاجزة عن المشي ..دقيقتان تغيب عن الوعي لتصحو على بركة من الدماء، دماؤها ودماء أختها. بعد ذلك بدأت تحكي عطوفة عن نزيف استمر ثلاثة أيام وكيف عالجت ذاتها وهي التي تعلمت التمريض يوماً ما ولم ينقطع النزيف إلا في اليوم الرابع ولكم أن تتخيلوا امرأة تنزف ورجلها معلقة مربوطة برجل أختها المتوفاة..
لاماء، لاكهرباء، لاغذاء يمكننا أن نصرخ ياالله لماذا كل هذا العذاب؟
لايمكن لأحد أن يتخيل معنويات هذه المرأة لقد أمدتنا بالشجاعة إلى آخر العمر..
ثم حدثتنا عن نقاط الماء السوداء التي عصرتها من بقايا «كيس اللبنة» الذي كان مخبأ في ماء البئر.. عدة نقاط ماء سوداء شربتها لتبقى على قيد الحياة ثم اكتشفت احدى قريباتها علبتين من البسكويت في زاوية احدى الغرف فصار الأحياء يتناولون قطعة بسكويت كل 12 ساعة أي في اليوم الكامل قطعتين من البسكويت..
محاولة العثور على ماء بدأتها الحاجة عطوفة عبر الزحف الذي بدأته في اليوم الرابع أكثر من أربع ساعات زحف حتى قطعت عدة أمتار بعد أن فكت رجليها عن رجلي أختها بأظافرها وحين وصلت الى بئر الماء لم تتمكن خلال أكثر من ساعة من نشل الماء الى أن استطاعت العجوز قريبتها نشل الماء.. فشربت عطوفة حتى امتلأت شرايين الروح وقبل أن تنتهي قطع البسكويت عثرت عطوفة على علبة سميد وبدأ الباقون على الحياة بتناول ملعقتين من السميد كل «24» ساعة. على هذه الحال بقيت عطوفة وأقاربها تسعة أيام الى أن وصل عدد من المقاومين وأهل القرية ليتم انقاذ الأحياء ودفن الشهداء.
في هذه الأثناء كانت عطوفة تتابع الأخبار عبر المذياع فكانت اذاعة النور تمدهم بأخبار الانتصار.. ويبدو أن أخبار المقاومة الناصعة قد أمدتهم أيضاً بإمكانية الحياة فنجت عطوفة من الموت..
وعولجت في فرنسا بمساعدة أشقائها وهي الآن بكامل صحتها وحيويتها وتكاد روحها ترقص وهي تتحدث عن المقاومة الاسلامية التي سطرت نصر تموز ..
ودعناها فوقفت على باب المنزل تشكر الرئيس بشار الأسد ومواقفه الوطنية ومساندته للمقاومة «الله يمد بعمر الرئيس بشار».
هل يكفي أن نقول: إن «عطوفة توبة» امرأة مجبولة بالشجاعة والايمان؟ مرة أخرى يبدو الحبر خجلاً أمام ماجرى فأدوات التعبير اللغوية لايمكن أن تعبر عما جرى مع هؤلاء..
ومرة أخرى هو نصر تموز واسطورة المقاومة الاسلامية والتاريخ الأسود «لاسرائيل» وهي تثبت سنة بعد سنة أنها «أم الارهاب» في العالم أجمع.
في الخيام توقفنا أيضاً...
رغم أن الآلة الجهنمية الاسرائيلية قد نفذت «500» غارة على بلدة الخيام الجنوبية ورغم سقوط عشرة آلاف قذيفة وصاروخ إلا أن هذه البلدة لم تفقد من أبنائها سوى شهيدين الأول مدني والثاني من المقاومة وقد ذهبنا للقاء أسرة الشهيد أحمد الشيخ علي ..كان المساء قد غادرنا لنتجه زمنياً نحو الليل لكن نور وجوه أهل الشهيد قد أضاء اللقاء. أم الشهيد تدثرت بالسواد لكن منطقها وروحها قد أقنعانا من جديد أن الوطن هو الناس امرأة مؤمنة بالله والوطن والمقاومة حتى النهاية تحدثت عن ابنها الشهيد بصدق هائل..
فالألم كان مؤكداً حين سمعت خبر الشهادة في أول يوم لوقف اطلاق النار لكن مفردة الشهادة بكل نقاوة حضورها ودلالتها الطاهرة كانت كافية لتغسل هذه الأم حزنها. قائلة «ابني شهيد وأنا أعتز به» الشباب فداء للوطن «طبعاً عبارة الشباب ترددت كثيراً هنا في الجنوب وهي دلالة على شباب المقاومة الاسلامية.
ترك الشهيد أبناؤه الثلاثة مهدي وهادي ومحمد جواد في عهدة زوجته ووالدته ورحل مختاراً طريق الخلود..
كان الحديث عن المقاومة مليئاً بالحب والود... المقاومة.. هي سياج للوطن.
غادرنا منزل الشهيد مودعين بالدعاء بالعمر الطويل والحماية لسماحة السيد حسن نصر الله والمقاومة.
ثم أخبرنا أحد أبناء البلدة أن المقاوم هذا قد استشهد في المنزل المجاور لمنزل أهله وكان يقوم بواجبه الوطني.
الحديث عن أهل الجنوب لاينتهي فالجغرافيا وحدها تحكي قصة المقاومة.. وهذا الفضاء الجنوبي الممتد حتى أقصى الحياة أذهلنا بجماله الأكيد.. كنا نسير على خط الحدود... كان الزملاء يشيرون الى مزارع شبعا والى الجولان المحتل... والى فلسطين الحاجز الحدودي المكهرب كان يعلن كل دقيقة أن خلفه عدواً تلقى في تموز الماضي درساً لن ينساه.. ويبدو أنه سيفكر ألف مرة قبل أن يغامر من جديد في حرب ضد لبنان.
تصوير ـ وائل حميدان
اليوم الرابع عشر 25/7/2006
مرحلة مابعد حيفا
تحولت المعركة في «بنت جبيل» الى ملحمة حقيقية سوف تدخل التاريخ، المجاهدون يدافعون ويستبسلون كعادتهم واليهود يدمرون كعادتهم.
المقاومة الإسلامية تمطر شمال مايسمى بإسرائيل بالصواريخ المباركة وبأرقام قياسية.
في هذا اليوم قتل أربعة ضباط دوليين في مقرهم في الخيام بوساطة غارة جوية اسرائيلية.
الأبرز سياسياً أن مؤتمر «روما» يقر بتقديم مساعدات.. ولايدعو لوقف اطلاق النار، نتيجة المساعي الأميركية لفرض «سلتها» أي الشروط الاسرائيلية كاملة، ففي نهاية الأسبوع الثاني الذي ختم بخمسة آلاف غارة ومئات الشهداء وألفي إصابة...مازالت الحرب الأميركية تراوح مكانها، ويكبر إرباكها.
أما إرسال قوات دولية فأمامها عقبات ميدانية وواقعية حيث لاتوافق لبنانياً ولاوضوح أوروبياً... ومن هي الدول الأوروبية التي سوف تتجرأ على إرسال جندي واحد إلى لبنان، إذا كان حزب الله غير موافق على ذلك؟
أما المقترحون لتراجع مجاهدي حزب الله الى ماوراء الليطاني، فهم أمام فكرة تستحيل التطبيق، فالمجاهدون أبناء الأرض، وليس من بيت في أي حي وقرية وبلدة جنوبية إلا وفيه مقاومة اسلامية وحب جارف وثقة كبيرة بحزب الله وقيادته تبدت بعفوية وغزارة على شاشات الفضائيات.
مصادر موثوقة ومطلعة أفادت أن رايس نصحت جماعة الأكثرية في لبنان بالتحرك والضغط... وعدم تضييع الفرصة الذهبية! وعند منتصف الليل أعلن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في إطلالته الرابعة تلفزيونياً إننا سندخل من الآن في مرحلة مابعد حيفا وقال إن هناك مرحلة جديدة من الصراع يفرضها العدو علينا، ولن يبقى قصفنا في حدود حيفا، وسننتقل الى مرحلة جديدة مشيراً إلى أن التطورات ستحدد ما إذا كان يجب الانتقال الى مابعد بعد حيفا.
وفي كلمة وجهها في الواحدة بعد منتصف الليلة الماضية، عبر قناة «المنار» قال السيد نصر الله: إن أمامنا أياماً حاسمة ومصيرية، وهي بحاجة الى مزيد من الثبات والتماسك